سبب وفاة الفنان سمير الدهام الحقيقي: رحلة من الإبداع إلى الرحيل
فقدت الساحة الثقافية والفنية في المملكة العربية السعودية يوم السبت 7 كانون الأول/ ديسمبر 2024 أحد أبرز الأسماء في مجال الفن التشكيلي والإعلام، وهو الفنان سمير الدهام، الذي رحل عن عالمنا عن عمر يناهز الـ 69 عامًا في العاصمة المصرية القاهرة بعد معاناته من جلطة دماغية مفاجئة. إن وفاة سمير الدهام لم تكن مجرد خسارة لفنان تشكيلي، بل كانت خسارة لرمز ثقافي كان له بصمة واضحة في إرساء مفاهيم الفن التشكيلي في السعودية، وتأسيس العديد من المؤسسات الثقافية والفنية في المملكة.
من هو سمير الدهام؟
سمير الدهام هو فنان تشكيلي سعودي من مواليد مدينة الجبيل في عام 1955م، وُلد في فترة كانت فيها الفنون في السعودية في مراحلها الأولى، وساهم بشكل كبير في بناء هذا المجال. بدأ سمير مسيرته الفنية في وقت مبكر، وكان له دور رئيسي في تشكيل ملامح الفن التشكيلي السعودي، حيث قدم العديد من الأعمال التي كانت تمثل الروح الإبداعية للمجتمع السعودي في تلك الفترة.
تأثر سمير الدهام بالعديد من الفنانين التشكيليين العالميين والعرب، وكان له أسلوب خاص يمزج بين التقليدية والحداثة، ما جعل أعماله تتمتع بخصوصية فنية عالية. وتُعد لوحاته تجسيدًا لرؤية جمالية تعكس التغيرات التي شهدتها المملكة في العصر الحديث، بما في ذلك التوجهات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
مسيرته المهنية والإبداعية
حصل سمير الدهام على العديد من الجوائز والاعترافات طوال مسيرته، وكان من أوائل الفنانين الذين استطاعوا نشر الفن التشكيلي السعودي على مستوى عالمي. بالإضافة إلى كونه فنانًا، كان أيضًا إعلاميًا وصحفيًا له العديد من المقالات والبرامج الإعلامية التي تركز على الفن والثقافة. بدأ مسيرته الفنية بشكل رسمي في عام 1977 عندما تم تعيينه في منصب رئيس لجنة الفنون التشكيلية في جمعية الثقافة والفنون، وكان له دور محوري في تعزيز الأنشطة الفنية في المملكة وتطوير الإطار المؤسسي للفن التشكيلي.
وكان سمير الدهام في طليعة الفنانين الذين ساعدوا في نشر الوعي الفني بين الشباب السعودي، ودفعهم للمشاركة في معارض فنية دولية. كما أن جهوده أسفرت عن إنشاء العديد من المعارض الفنية المحلية والعالمية، بالإضافة إلى مساهماته في تطوير المجال الإعلامي الثقافي.
إسهاماته في الجمعية السعودية للفنون التشكيلية “جسفت”
تُعد جمعية الثقافة والفنون في المملكة العربية السعودية من أبرز المؤسسات التي لعب سمير الدهام دورًا محوريًا في تطويرها. في عام 1977، تم تعيينه رئيسًا للجنة الفنون التشكيلية في الجمعية، حيث قام بتطوير العديد من المبادرات التي ساعدت في تعزيز مكانة الفن التشكيلي السعودي على مستوى العالم. خلال فترته في الجمعية، قام بتأسيس عدد من الفعاليات والمعارض الفنية التي مكنت الفنانين المحليين من عرض أعمالهم عالميًا.
كما كان له دور بارز في تأسيس لجنة الإعلام والنشر، التي ساعدت في نشر الثقافة والفن التشكيلي السعودي عبر مختلف المنصات الإعلامية.
حياة سمير الدهام الشخصية
على الرغم من مكانته الرفيعة في الساحة الفنية والثقافية، كان سمير الدهام شخصًا متواضعًا للغاية. عرف عنه اهتمامه الكبير بمساعدة الفنانين الشبان وإعطائهم الفرصة لإظهار مواهبهم. كان دائمًا يشجع الأجيال الجديدة على تطوير مهاراتهم الفنية وعدم الخوف من التجريب والابتكار.
يُذكر أنه لم يكن فنانًا يتفاخر بمواهبه، بل كان يفضل أن يترك أعماله تتحدث عن نفسها. كما كان يعتبر الفن وسيلة لنقل رسائل اجتماعية وثقافية، وليس مجرد أداة للتعبير الشخصي. ومن خلال أعماله، نقل سمير الدهام العديد من القيم الوطنية والاجتماعية التي كان يشعر بها.
آخر أيامه ومواقفه من الفن
خلال السنوات الأخيرة من حياته، كان سمير الدهام يعاني من بعض المشاكل الصحية التي أثرت على قدرته على المشاركة في المعارض بشكل مكثف. إلا أنه لم يتوقف عن إلهام الأجيال الجديدة من الفنانين. في الأشهر الأخيرة من حياته، كان يقيم معارضه الشخصية في مدينة الرياض والقاهرة، حيث تعرض أعماله الجديدة التي كانت تتسم بالابتكار والتجديد.
تفاصيل وفاة سمير الدهام
رحل سمير الدهام في السابع من ديسمبر 2024 في العاصمة المصرية القاهرة بعد معاناة طويلة مع المرض. وكان قد أصيب بجلطة دماغية، مما استدعى نقله إلى المستشفى. ورغم محاولات العلاج، إلا أن حالته الصحية تدهورت بشكل مفاجئ، ليفارق الحياة في تلك المدينة التي كان يعتبرها ثاني وطن له بعد السعودية.
في وقت لاحق، نعت الجمعية السعودية للفنون التشكيلية “جسفت” وفاة الفنان الكبير، وأكدت أن سمير الدهام ترك إرثًا ثقافيًا وفنيًا لن يُنسى. كما تم الإعلان عن أن الصلاة على جثمانه ستُقام في المملكة العربية السعودية، بعد وصول جثمانه من القاهرة.
تأثيره على الفن التشكيلي السعودي والعربي
يعتبر سمير الدهام من أبرز رواد الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية والعالم العربي. وقد تركت أعماله الفنية بصمة واضحة في تاريخ الفن التشكيلي في المملكة، وساهمت في بناء الجسر بين الأجيال الجديدة من الفنانين والموروث الثقافي والفني في السعودية. كما كانت لوحاته مرآة لتطور المملكة وتحولاتها في مختلف المجالات.
من خلال تنظيمه للمعارض والمساهمة في تطوير المؤسسات الثقافية، ساعد سمير الدهام على تحسين الصورة العامة للفن التشكيلي السعودي على المستوى الدولي. وقد كانت أعماله تتميز بالعديد من الأساليب والاتجاهات التي تعكس تنوع الفن التشكيلي في المنطقة، مما جعلها محل تقدير كبير في الأوساط الفنية المحلية والدولية.
ختامًايُعتبر سمير الدهام من الشخصيات التي لا يمكن نسيانها في تاريخ الفن التشكيلي السعودي، فقد شكلت مسيرته مصدر إلهام لكثير من الفنانين والنقاد. كما ترك وراءه إرثًا فنيًا وثقافيًا سيظل حيًا في قلوب محبيه وعشاق الفن التشكيلي.
إن رحيل سمير الدهام هو خسارة كبيرة للفن التشكيلي السعودي والعربي، ولكن أعماله ستظل خالدة في ذاكرة الأجيال القادمة، التي ستظل تستلهم من تجربته الفنية الطويلة والمميزة.