سجن صيدنايا في سوريا مباشر : من أقبية القمع إلى أمل التحرير
سجن صيدنايا في سوريا هو واحد من أشهر وأشد السجون سرية في العالم. يقع هذا السجن على بعد نحو 30 كيلومترًا شمال العاصمة دمشق، وقد شيد في الثمانينيات من القرن الماضي ليصبح رمزًا للظلم والقمع في عهد النظام السوري بقيادة عائلة الأسد.
على مدار عقود، كان سجن صيدنايا في سوريا معقلًا للمعتقلين السياسيين، الذين وقعوا ضحايا لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات. بعد سقوط العاصمة دمشق في يد الفصائل المعارضة، تم فتح أبواب هذا السجن المظلم، ليبدأ فصل جديد من الأمل، ولكنه أيضًا فصل مليء بالمآسي.
بعد فتح سجن صيدنايا في سوريا بدأ فصلاً جديدًا في قصة الثورة السورية، ولكن الأسئلة تبقى، ماذا عن المعتقلين الذين لم يُفرج عنهم بعد؟ ماذا عن الأقبية السرية التي لم تُكشف بعد؟ إن سجن صيدنايا يظل شاهدًا حيًا على حقبة مظلمة في تاريخ سوريا، ومع كل يوم جديد، هناك أمل في أن تكشف المزيد من الأسرار ويتم فتح بوابات الحرية لجميع المعتقلين.
تاريخ سجن صيدنايا في سوريا
تأسس سجن صيدنايا في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ليكون واحدًا من أقسى السجون في المنطقة، ويخضع مباشرة لإشراف وزارة الدفاع السورية وليس وزارة العدل. وهذا يعني أنه لا يمكن لأي شخص أن يزور المعتقلين في السجن إلا بإذن خاص من الشرطة العسكرية، وهو ما يجعل السجن أكثر سرية وأكثر قسوة. كان النظام السوري يعتمد على سجن صيدنايا كمركز للاحتجاز والتعذيب للمعتقلين السياسيين والمعارضين الذين كانوا يهددون سلطته.
وفي سنواته الأولى، استخدم النظام السوري سجن صيدنايا كمكان لحجز المعارضين السياسيين من الأحزاب الإسلامية، اليسارية، والليبرالية، فضلاً عن قادة الاحتجاجات الشعبية. بمرور الوقت، تحول السجن إلى رمز للمعاناة السورية، حيث كان يتم تحميل المعتقلين ظروفًا قاسية من تعذيب وحشي، وكان بعضهم يُجبر على الاعتراف بتهم لم يرتكبوها.
أقبية سرية: تاريخ من الظلال
سجن صيدنايا في سوريا لا يشبه سجونًا أخرى، إنه يتكون من شبكة معقدة من الزنازين والأقبية السرية التي لا يعرف عنها أحد شيئًا سوى العاملين داخل السجن. هذه الأقبية كانت تٌستخدم لحجز المعتقلين تحت الأرض، بعيدًا عن أنظار العالم، وتهيئة الظروف لأنواع فظيعة من التعذيب.
العديد من الشهادات تشير إلى أن هناك عددًا من الأقبية السرية تحت الأرض، والتي كانت تُستخدم لإخفاء المعتقلين وعدم السماح لهم بالظهور أو التواصل مع أي شخص خارج السجن. تم تصميم هذه الأقبية بحيث يصعب الوصول إليها، حيث كانت تدار بواسطة طبقات متعددة من الحراسة الأمنية المشددة، واستخدمت لتخزين أولئك الذين كان النظام يريد نسيانهم.
بعد سقوط العاصمة دمشق بيد الفصائل المعارضة في عام 2024، بدأت فرق الدفاع المدني السوري عمليات البحث داخل السجن.
وأعلن الدفاع المدني السوري العثور على بعض الأقبية السرية، لكنها أكدت أن البحث لا يزال مستمرًا للكشف عن المزيد من الأسرار المدفونة تحت الأرض.
المعتقلون في سجن صيدنايا: قصص من جحيم القمع
سجن صيدنايا لا يقتصر على كونه مكانًا للحبس فحسب، بل كان بمثابة مصنع لتوليد قصص مأساوية لا حصر لها. من بين الذين كانوا معتقلين في هذا السجن، نجد ناشطين سياسيين، صحفيين، نشطاء حقوق الإنسان، رجال دين، ومدنيين تم اعتقالهم بسبب آرائهم السياسية أو بسبب معارضتهم للنظام السوري. العديد من هؤلاء تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي بصورة ممنهجة. لم يكن المعتقلون يعرفون متى سيفرج عنهم، وإذا كانوا سيبقون على قيد الحياة أم لا.
وبحسب ما أفاد به الناجون من سجن صيدنايا، فقد كانوا يتعرضون لأساليب تعذيب قاسية مثل الضرب المبرح، التهديد بالإعدام، التجويع، الحرمان من النوم، والعزل الانفرادي. كانت هذه الأساليب تستخدم لترويع المعتقلين وإجبارهم على الاعتراف بتهم ملفقة ضدهم. وقد توفي العديد من المعتقلين بسبب التعذيب، في حين عانى الآخرون من آثار نفسية وجسدية لم تَلتئم حتى بعد سنوات من الإفراج عنهم.
وفي وقت لاحق، سيطرت الفصائل المعارضة على سجن صيدنايا، وبعد تحرير السجن، بدأت تظهر أسماء المعتقلين الذين قضوا سنوات طويلة داخل جدران هذا السجن، بينهم رجال ونساء وأطفال. بعض المعتقلين كانوا قد فقدوا ذاكرتهم بسبب التعذيب المستمر، فيما خرج آخرون وهم في حالة صحية مزرية للغاية. وكما كان متوقعًا، لم يكن الخروج من السجن مجرد تجربة صعبة بالنسبة للمعتقلين، بل كان بداية جديدة مليئة بالأمل ولكنها أيضًا محاطة بالعديد من الأسئلة حول مصير المعتقلين الذين لا يزالون في الأقبية السرية.
الأمل في التحرير: ما بعد السجن
بعد سنوات من الاضطهاد، جاء يوم الفرج. بعد أن سيطرت فصائل المعارضة السورية على العاصمة دمشق، تم تحرير العديد من المعتقلين من سجن صيدنايا. في 2024، سُمح للمعتقلين الذين تم تحريرهم من صيدنايا بالعودة إلى حياتهم، بعد سنوات من العزلة والمعاناة.
ورغم أن النظام السوري قد سقط إلا أن العديد من الأسرار لا تزال خفية تحت جدران سجن صيدنايا. تبقى الأسئلة عن بقية المعتقلين، الأقبية السرية، وكشف المزيد من الانتهاكات مستمرة.
أين يقع سجن صيدنايا؟
يعد سجن صيدنايا من أكثر السجون عزلة في سوريا. يقع السجن في منطقة جبلية بالقرب من العاصمة دمشق، وعلى بعد نحو 30 كيلومترًا من مركز المدينة. كان السجن قد بُني فوق ربوة عالية، مما جعل الوصول إليه صعبًا للغاية، إضافة إلى التحصينات العسكرية التي كانت تحيط به. وعند بناء السجن في الثمانينيات، كانت السلطات السورية قد سعت إلى إنشاء سجن غير تقليدي يصعب الوصول إليه ولا يطال أي تدخل خارجي.
يمتد السجن على مسافة 1.4 كيلومتر مربع، ويضم مرافق شديدة الحراسة. حيث أُعيد تنظيمه عدة مرات ليتماشى مع احتياجات النظام السوري القمعية.
ما هي أهمية سجن صيدنايا في السياق السوري؟
تتجاوز أهمية سجن صيدنايا مجرد كونه مكانًا للاحتجاز. إنه رمزٌ للطريقة التي استخدمها النظام السوري لإحكام قبضته على المعارضة وكل من يعارضه. شكّل السجن جزءًا أساسيًا من تاريخ القمع في سوريا، وهو نقطة محورية لفهم الكيفية التي كانت تعمل بها أجهزة الدولة القمعية طوال فترة حكم الأسد.
سجن صيدنايا لم يكن مجرد سجن، بل كان تجربة نفسية وجسدية قاسية على آلاف المعتقلين الذين جُردوا من إنسانيتهم وحُرموا من أبسط حقوقهم.