قصة المقدسي وليد بركات المعتقل الذي قضى 43 عامًا في سجون الأسد
تُعد قصة المقدسي وليد بركات واحدة من أشد القصص الإنسانية إيلامًا، حيث أمضى 43 عامًا من عمره في السجون السورية دون تهم واضحة والذي قال “اعتقلوني من مطار دمشق وعمري 25 عامًا، واليوم أخرج من السجن وقد بلغت 68 عامًا.” بهذه الكلمات المؤثرة وصف المقدسي وليد بركات قصته التي تختصر معاناة 43 عامًا قضاها في السجون السورية، متنقلًا بين التعذيب والحبس الانفرادي والحرمان من الحياة الطبيعية. تحرر وليد أخيرًا، لكنه يعود إلى العالم كهلاً، شاهدًا على أقسى مراحل التاريخ السوري.
هذا الرجل الفلسطيني، الذي غادر وطنه شابًا في العشرينات من عمره، ليعود كهلاً منهكًا جسديًا ونفسيًا، يعكس معاناة آلاف المعتقلين الذين عانوا من القهر والانتهاكات في السجون السورية.
من هو وليد بركات؟
وليد بركات هو فلسطيني الأصل من قرية النبي صموئيل الواقعة شمال غرب القدس، ولد في عام 1956 ونشأ وسط ظروف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. في عام 1982، قرر وليد السفر إلى سوريا لاستكمال دراسته، ولم يكن يعلم أن تلك الرحلة ستتحول إلى كابوس مستمر لأكثر من أربعة عقود.
الاعتقال والغموض
اعتُقل وليد بركات أثناء تواجده في دمشق في عام 1982، وعمره لا يتجاوز 26 عامًا. لم تُفصح السلطات السورية عن التهم الموجهة إليه، لكنه وُضع في السجن بتهم مبهمة تتعلق “بالأمن القومي”.
تنقل وليد بين عدد من السجون السورية سيئة السمعة، منها:
- سجن المزة العسكري: المعروف بقساوة معاملته للمعتقلين.
- سجن تدمر: الذي شهد العديد من المجازر والتعذيب الوحشي.
- سجن صيدنايا: حيث يُعتبر من أكثر السجون دموية في المنطقة.
- سجن عدرا: آخر محطة له قبل تحريره.
14 عامًا في الحبس الانفرادي
قضى وليد بركات 14 عامًا في الحبس الانفرادي، معزولًا عن العالم الخارجي، دون أن يعلم أحد من أفراد عائلته بمصيره. لم يتمكن من التواصل مع أهله الذين كانوا يظنون أنه قد فارق الحياة. في عام 1996، ظهرت أول معلومات عن وجوده ضمن قوائم المعتقلين الفلسطينيين في السجون السورية بفضل جهود حقوقية.
ظروف السجن والمعاناة
تعرض وليد بركات خلال فترة اعتقاله لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، بما في ذلك:
- الضرب الوحشي المنتظم.
- التجويع والحرمان من النوم.
- الإذلال النفسي وإجباره على مشاهدة تعذيب معتقلين آخرين.
- الحرمان من الرعاية الصحية، مما أدى إلى إصابته بأمراض مزمنة.
تحرير المقدسي وليد بركات والعودة إلى الحرية
في ديسمبر 2023، وبعد سقوط بعض المناطق والسجون في يد المعارضة السورية، أُطلق سراح وليد بركات. تم نقله إلى الحدود الأردنية وهو في حالة صحية متدهورة بسبب سنوات طويلة من التعذيب وسوء المعاملة.
استقباله من عائلته
استقبلت عائلة وليد، التي تقيم في الأردن، خبر إطلاق سراحه بفرحة ممزوجة بالألم. وفقًا لما ذكره ابن شقيقته، خليل بركات، تلقوا اتصالًا من أمن الحدود الأردني يفيد بوصول وليد إلى معبر الحدود.
قال خليل:
“احتفظت لسنوات بصورة جواز سفر خالي، وعندما توجهنا لاستلامه، كان المشهد مؤثرًا جدًا. بدا وليد منهكًا، لكن رؤيته حُرًا بعد كل هذه السنوات كانت نعمة كبيرة”.
تجسد قصة وليد بركات معاناة آلاف المعتقلين في السجون السورية الذين ما زالوا مجهولي المصير. هذه القضية تفتح ملف الانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون على مدار عقود، وتثير التساؤلات حول ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
تحرر وليد بركات من الأسر بعد 43 عامًا لا يعني نهاية قصته، بل بداية فصل جديد يحكي عن الألم والمعاناة التي عاشها والمأساة التي ما زال يعاني منها معتقلون آخرون.
تبقى قصة المقدسي وليد بركات شاهدًا حيًا على الممارسات الوحشية التي ارتُكبت في السجون السورية، ورسالة للعالم بأن العدالة لا بد أن تتحقق يومًا ما.