القصة الكاملة لـ ميسون بنت بحدل زوجة معاوية بن أبي سفيان: تفاصيل سيرتها الذاتية
تعد ميسون بنت بحدل الكلبية واحدة من الشخصيات النسائية التي ارتبط اسمها بالدولة الأموية، فهي زوجة الخليفة معاوية بن أبي سفيان وأم الخليفة الثاني يزيد بن معاوية. ورغم قلة التفاصيل حول حياتها، إلا أن المصادر التاريخية تسلط الضوء على دورها كزوجة وأم في فترة حساسة من التاريخ الإسلامي. فما حقيقة قصتها؟ وهل كانت شاعرة فعلاً؟ وكيف أثرت على البلاط الأموي؟
من هي ميسون بنت بحدل الكلبية؟
تنتمي ميسون بنت بحدل إلى قبيلة بني كلب، وهي قبيلة بدوية عريقة كانت تقطن في بادية الشام، وكانت لها علاقات قوية بالروم والسريان الأرثوذكس. كان والدها، بحدل بن أنيف، أحد زعماء القبيلة، والتي عُرف عنها نفوذها القوي في المنطقة.
يُقال إن ميسون كانت على دين المسيحية قبل زواجها، لكن لا توجد مصادر تاريخية مؤكدة حول بقائها على هذا الدين بعد زواجها من معاوية. وبسبب مكانة بني كلب السياسية والاجتماعية، كان زواجها بمعاوية يحمل أبعاداً سياسية، حيث سعى الأخير إلى تعزيز نفوذه من خلال التحالف مع القبائل المؤثرة في الشام.
زواجها من معاوية بن أبي سفيان
عُقد زواج ميسون بمعاوية عام 645م، وكان جزءًا من استراتيجية سياسية اعتمدها الأمويون لمد نفوذهم عبر تحالفات قبلية. كان معاوية، الذي أصبح لاحقًا أول خليفة أموي، يواجه تحديات كبرى، خاصةً بعد انتشار الطاعون في الشام، والذي أضعف جيشه وجعله بحاجة إلى دعم القبائل العربية القوية.
ورغم أن هذا الزواج أرسى تحالفًا استراتيجياً، إلا أن ميسون لم تجد في قصر دمشق الحياة التي كانت تحلم بها. فقد كانت تفضل حياة البادية البسيطة على الترف الذي يعيشه معاوية في بلاطه. وقد انعكس ذلك في الأبيات الشعرية الشهيرة المنسوبة إليها.
قصتها مع القصر الأموي والقصيدة الشهيرة
اشتهرت ميسون بنت بحدل بقصيدة تعبر فيها عن اشتياقها لحياة الصحراء وتفضيلها لها على حياة القصور، حيث قالت:
لبيت تخفق الأرواح فيه
أحب إليّ من قصر منيف
ولبس عباءة وتـقـرّ عيني
أحب إليّ من لبس الشفوف
وأكل كسيرة فـي كسر بيتي
أحب إليّ من أكـل الرغيـف
هذه الأبيات، التي تعكس ولعها بحياة البادية، جعلت البعض يعتقد أنها كانت السبب في طلاقها من معاوية، حيث لم يكن من المقبول أن تعلن زوجة الخليفة عدم رضاها عن حياتها في قصره. ومع ذلك، هناك جدل حول صحة نسبة هذه الأبيات لها، حيث يرى بعض المؤرخين أنها قد تعود لشاعرة أخرى تُدعى ميسون بنت جندل الفزارية.
طلاق ميسون بنت بحدل وعودتها إلى البادية
تؤكد بعض الروايات أن معاوية طلق ميسون بعد ولادة يزيد، وأنها عادت إلى قبيلتها في بادية الشام، حيث فضّلت العيش وسط أهلها بعيدًا عن حياة القصور. ومع ذلك، لا يوجد إجماع تاريخي حول توقيت طلاقها، لكن المؤكد أنها لم تعش طويلًا في بلاط الأمويين.
كان لعودتها إلى البادية تأثير كبير على نشأة ابنها يزيد، حيث قضى جزءًا من طفولته في مضارب بني كلب، ما جعله يتأثر بثقافة البادية ويتعلم قيم الفروسية والشجاعة، وهو ما انعكس لاحقًا على أسلوب حكمه.
أمومتها ليزيد وتأثيرها في شخصيته
تُعتبر ميسون الأم الوحيدة ليزيد بن معاوية، وقد اهتمت بتربيته ونشأته بين بني كلب، حيث أرادت أن يكتسب صفات الفرسان العرب من شجاعة وكرم، بالإضافة إلى مهارات الفروسية والصيد التي كانت جزءًا من ثقافة البادية.
وقد أثرت هذه النشأة على شخصية يزيد، إذ كان أقرب إلى البدو في أسلوب حياته مقارنةً بسلالة الأمويين في دمشق، وكان معروفًا بحبه للصيد والفرسان والشعر، وهي سمات تعود جذورها إلى البيئة التي نشأ فيها تحت رعاية والدته.
روايتها للحديث وأثرها في التاريخ
رغم شهرتها كزوجة خليفة وأم خليفة، إلا أن ميسون لم يكن لها تأثير ديني بارز، ولم يُنسب إليها سوى حديث واحد رُوي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، نقلاً عن زوجها معاوية، لكنه لم يكن من الأحاديث المتواترة.
كانت مكانتها الاجتماعية مستمدة من كونها أم ولي العهد، لكنها لم تلعب دورًا سياسيًا نشطًا كما فعلت بعض النساء الأخريات في البلاط الأموي مثل هند بنت عتبة أو رملة بنت معاوية.
وفاتها وإرثها
توفيت ميسون بنت بحدل عام 700م (80 هـ)، تاركة وراءها إرثًا متباينًا بين الواقع والأسطورة. فبينما يراها البعض مجرد أداة سياسية استُخدمت في تحالفات معاوية، يرى آخرون أنها امرأة قوية رفضت حياة القصور وفضلت العيش وفق مبادئها الخاصة.
رغم عدم توفر الكثير من التفاصيل حول حياتها بعد طلاقها، إلا أن تأثيرها امتد عبر ابنها يزيد، الذي أصبح فيما بعد ثاني الخلفاء الأمويين، وهو ما جعلها شخصية ذات أهمية تاريخية، حتى وإن لم تكن فاعلة بشكل مباشر في القرارات السياسية.
الخاتمة
ميسون بنت بحدل ليست مجرد شخصية تاريخية هامشية، بل كانت جزءًا من نسيج السياسة الأموية، وإن كان دورها غير مباشر. زواجها من معاوية كان تحالفًا سياسيًا بامتياز، لكنه كشف أيضًا عن الهوة بين حياة البدو وحياة القصور. قصيدتها الشهيرة، سواء كانت من تأليفها أم لا، تعبر عن حالة من الحنين للبساطة، وهو ما يجعلها واحدة من الشخصيات النسائية التي لا تزال تُثير الجدل في التاريخ الإسلامي.